أشغال شاقة.. مغبّرة!!


عاوزة اعرف رأيكم في شغالات اليومين دول ...
كان يومًا شاقًا منذ بدايته.. كان أبي يريد انتهاز فرصة يومي الخميس والجمعة للابتعاد عن الروتين وكسر حدة الملل، ولذلك قرر استغلال عطلة نهاية الأسبوع في إعادة فتح شقتنا التي مضى وقت طويل لم تطأها أقدامنا.. وبطبيعة الحال كان الغبار يغلف كل شيء حينها.. ومشهد النوافذ كفيل بإصابتك بالإحباط!.. وبما أني لم أستطع تحمل هذا المشهد بدأت حملة النظافة، وحاول أبي إقناعي بأن يأتي بإحدى زوجات حارسي العمارات المجاورة لمساعدتي في التنظيف، لكنه كان يعلم أني سأرفض؛ لأني لا أحب دخول شخص غريب منزلنا؛ ليعرف أدق التفاصيل، وأيضا لعادة سيئة لديّ وهي أني لا أثق في أن أي شخص سيقوم بالتنظيف كما أحب وكما أرغب..
ولكن بعد فترة أيقنت أن الأمر أكبر بكثير من أعمال المنزل البسيطة المعتادة، فما إن شرعت في إزالة خيوط العنكبوت بالسقف حتى ملأ الغبار عيني، وعندها ذهبت بنفسي إلى أبي؛ كي يسرع فيما عزم عليه!.. بعد فترة طويلة أتت زوجة حارس العقار المجاور، وأفهمتها أنه ليس عليها سوى إزالة الغبار في الأماكن التي لا أستطيع الوصول إليها، وتنظيف النوافذ وأنا سأقوم بالباقي.. وبدأنا في العمل.. ففي أول الأمر طلبَتْ أن أغلق باب الغرفة كيلا يراها أحد! وتم لها ذلك، ثم بعدها بفترة وجدتها على حالها تمسك بأدوات التنظيف كما هي.. ثم تتأمل الحجرة دون أي حراك، وكأنها تدرس تصميمها الهندسي!، أو كأنها "نابليون" يدرس تضاريس ساحة المعركة قبل خوض الحرب!..
بدأتُ في سؤالها عمّا يوقفها عن العمل، فأوضحت لي أن مفاصلها تؤلمها، ولن تستطيع إزالة الغبار عن السقف.. ثم أتبعت كلامها: "وحضرتك شابة لسه بعافيتك اهو!".. فتطوعت أنا للقيام بهذه المهمة على أن تقوم هي بتنظيف النوافذ والأبواب.. مرت فترة أخرى أنهيت فيها جزءاً لا بأس به وعدت لأجدها على حالها .. نفس الهيئة المتأملة كتمثال "بوذا" تحدق في أرجاء الغرفة! ولما سألتها عن السبب هذه المرة أوضحت لي أنها تعاني حساسية الصدر، فلن تقدر على إزالة الغبار!!..
وللمرة الثانية أتطوع أنا أيضا بالقيام بهذه المهمة على أن تتولى هي مسح الأرضية بالماء، ودعوت الله ألاّ تكون لديها عقدة منذ الطفولة من سريان الماء هذه المرة!مرّت ساعة استنشقت فيها غباراً سد كل حويصلات الرئة، وشعرت أن على ملابسي كمية عظيمة من الغبار تصلح لبناء هرم رابع!.. عُدْت بعدها وأنا أسير على حواف قدميّ؛ كيلا أنزلق من آثار المياة المتوقعة..
لكني -وكما تنبَّأت تماما- وجدتها على نفس الهيئة تمسك بالممسحة، وهي تستند إلى الحائط، والسبب هذه المرة أنها لا تستطيع أن تقوم بالتنظيف وأبي وأخي بالمنزل!.. علماً بأنهما في غرفة أخرى بعيدة، لكنها أصرَّت على موقفها في إباء وشمم!.. وبما أنه لا يمكن بطبيعة الحال أن أطردهما من المنزل؛ كي تقوم هي بتنظيفه، فتغاضيت عن طلبي وعزمت على القيام به على أن تقوم هي بعدها بفرش السجاد!
انتهت أخيراً المهمة، ولم يتبقَّ سوى أشياء صغيرة؛ لتصبح الشقة آية في النظافة، وأثناء قيامنا بوضع المفارش قمت بحركة غير مسئولة إطلاقاً وهي أني قمت بنفض التراب عن ملابسي.. فإذ بها تسعل وتشهق ويعلو صوت سعالها وعطسها.. ثم (توبِّخني) بشدة على هذا الفعل (الأخرق): "حرام عليكي.. إيه التراب ده كله؟!"..
ثم جلست على الأريكة تتنفس بعمق، وطلبت كوب عصير؛ كي تهدأ قليلاً!! ولما لم أجد عصيراً سألتها إن كان يناسبها أكثر كوب من الكركديه.. فأومأت برأسها في تذمر لهذه المعاملة غير اللائقة!!
أثناء رشفها للكركديه ببطء ورَوِيّة أخذت أتأمل ملابسي في حُزن وأنا أجزّ على أسناني كظماً للغيظ وأنا أراها تتأملني بجرأة ووقاحة غريبة، فأدرت لها ظهري كيلا أنفجر من الغضب، وأخذت أنهي ما تبقى من مهام .. أدرك أن أي شخص في مكاني لطلب منها الرحيل على أقل تقدير.. لكني أدرك أني لا أجرؤ على هذا الفعل، ولن أستطيع حتى لو حاولت، وأخذت أحاول تصبير نفسي أنها سترحل بالتأكيد من تلقاء نفسها عمّا قريب!.. بعد أن أنهت الكوب نهضت أخيراً من جلستها وهي تطلب أجرتها سريعاً لأنها ستقوم بتنظيف المنزل المجاور ولا تريد أن تتأخر!!..
ورحلت أخيرا بعد أن نقدها أبي أجرتها، وأنا أمنع نفسي من البكاء غيظاً، ثم لم تنسَ أن تعدني أنها تحت أمري في أي وقت، وعلى استعداد للحضور غداً في نفس الموعد!.. شكرتها بحرارة، وأنا أتأمل بغلٍّ ثيابها التي لم يمسها سوء، وأقارنها بالغبار الذي يغطي ملابسي، وأودعها قائلة: "لأ خليكِ مرتاحة.. تعبناكِ جامد النهارده!".

0 Comments:

Post a Comment



رسالة أحدث رسالة أقدم الصفحة الرئيسية